الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة الهادي يحمد صاحب كتاب «كنـت فـي الرّقـة، هـارب من الـدّولة الاسلامية» يروي تفاصيل لقائه بالارهابي محمد الفاهم ويكشف مصيره

نشر في  10 ماي 2017  (13:06)

من ألمانيا مسقط رأسه التي قضى فيها 5 سنوات، الى تونس وتحديدا أزقة نابل ومدارسها الى مساجدها وحفظ القرآن الى تبنى الفكر المتشدد.. ومنه الى الحلم بدولة الخلافة الذي دفعه الى الهروب من تونس عبر ليبيا ومنها الى تركيا التي كانت بوابته الى الرقة وتحقيق حلم طالما راوده بالقتال الى جانب تنظيم الدولة الاسلامية ـ داعش ـ والجهاد في سبيل الله..  هي رحلة محمد الفاهم الشاب التونسي الذي التحق بداعش قبل ان يصطدم بواقع مغاير بدولة تلقي بمئات الشباب في المحرقة ولا تتبنى الخلافة على منهاج النبوة، محمد الفاهم الذي خاض الغزوات الى جانب تنظيم الدولة وتلوثت يداه بالدماء ومشى على بقايا اشلاء الجثث واستنشق رائحة البارود وشاهد دماء الرعب، ولم تأخذه الرحمة بمن سقطوا برصاص رفيقه «الكلاشنيكوف»، يكتشف ان الدولة التي سافر اليها لم تكن هي ذات الدولة التي راودته في احلامه ودفعته الى ترك والدته التي يحبها حبا لا مثيل له، وأيضا التخلي عن زوجته التي تحدت اسرتها من اجله، ومن هناك تنطلق رحلة فراره من الرقة وهروبه من الدولة الاسلامية، رحلة رواها لنا الصحفي والكاتب هادي يحمد في كتابه  «كنت في الرقة ـ هارب من الدولة الاسلامية»، الذي لاقى انتشارا واسعا، لا فقط لأنه يعد سابقة من حيث محتواه ونقله لشهادة احد الهاربين من داعش بل لخوضه في تفاصيل حياة شاب تونسي تحول الى داعشي بعد ان كان يعشق الموسيقى الصاخبة والحسناوات، شاب كغيره من مئات الشباب اعتنق فكرا ظلاميا حوله الى وحش آدمي يقتل ويسفك الدماء باسم الدين والاسلام والتحق بتنظيم يعتبر نفسه الفرقة الوحيدة الناجية ويكفر كل من لا يدلي بولاء الطاعة لأميره .
كتاب خلف ضجة وكشف المستور وفتح الابواب المغلقة وسلط الضوء على تنظيم في منتهى الوحشية وعلى ظاهرة يجب ان نفهم نطفتها الاولى حتى نتمكن من محاربتها وكيف يتحول الشاب الى داعشي، هذا ما حاول هادي يحمد الاجابة عنه من خلال شهادة اختزلت وراءها عديد الشهادات والقصص، من جهتنا حاورنا هادي يحمد وحاولنا معرفة بعض الجزئيات التي لم تذكر في  «كنت في الرقة، هارب من الدولة الاسلامية» وتفاصيل لقائه ومحاورته للداعشي محمد الفاهم .

في البداية هل كنت تنتظر أن يحقق كتاب «كنت في الرقة، هارب من الدولة الاسلامية»، هذا النجاح، وأن تنفد الطبعة الأولى في وقت قياسي؟
كنت متيقنا منذ بداية اشتغالي على هذا الكتاب أنه سيلفت الانتباه اليه خاصة أن قضية التونسيين الذين هاجروا الى بؤر التوتر وقاتلوا الى جانب التنظيمات الارهابية هي قضية لا تهم الرأي العام التونسي فقط بل العالمي ايضا، وقد ازداد هذا الاهتمام اثر بداية هزائم داعش العسكرية وطرح مسألة العودة، ومن الأمور الاخرى التي دفعتني الى توقع هذا النجاح هي طريقة طرح الموضوع من خلال شهادة حصرية، حيث لم يسبق ـ على حد علمي ـ أن التقي صحفيا او اعلاميا او باحثا بأحد المنضوين داخل هذا التنظيم او الفارين منه، باستثناء الفرنسي دافيد طومسن الذي اصدر كتابا تحت عنوان «العائدون» والذي لاقى نجاحا كبيرا، لكن ما اختلف فيه مع هذا الكاتب هو أن هذا الأخير التقى بعض العائدين من بؤر التوتر الموجودين في فرنسا وهم تحت المراقبة الادارية والأمنية وهو ما جعلهم يتحدثون بشيء من التحفظ اضافة الى ان كل الاسماء الواردة في كتابه كانت مستعارة، اما كتابي فاستمد قوته من كون الشهادة كانت نابعة من شخص معلوم الهوية كما اني التقيته بعيدا عن الرقابة الامنية وهو ما جعله يتحدث بحرية كاملة .
وكيف نصنّف  «كنت في الرقة، هارب من الدولة الاسلامية»؟
صدقا اواجه اشكالا في تصنيف كتابي، حيث انه عبارة عن سيرة وقصة محمد الفاهم الهارب من تنظيم الدولة وفي نفس الوقت هو كتاب بحثي اقدم من خلال قصة محمد عديد المعطيات حول تأسيس داعش وكيفية اشتغاله ودواوينه ومكانة المرأة داخله وغزواته، لكن كل هذه المعطيات قدمت من خلال قصة الشخصية الرئيسية لانه وببساطة البحث في التنظيمات الارهابية لا يغري القارئ وبتقديمها اليه بهذه الطريقة ارغبه في قراءة الكتاب وفي نفس الوقت اقدم له المعلومة .
لكن كيف تمكنت من ترويض هذا الارهابي ودفعته الى سرد قصته بكل اريحية وبأدق تفاصيلها؟
لقد تطلبت مني المسألة الكثير من الوقت، حيث لم يتم اللقاء في وقت وجيز، اولا لربط علاقة الثقة مع هذا الارهابي الذي يحمل كغيرة من المنتمين الى التنظيمات الارهابية نظرة عدائية الى الاعلاميين وأوطانهم والمثقفين بصفة عامة، وبطبيعة الحال كان هذا الشخص مرتابا مني رغم معرفته بهويتي وبكوني صحفيا واعلاميا ومتخصصا في هذا المجال، وهنا اشير الى ان تعارفنا كان عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولم اكن في ذلك الوقت أعرف هوية الشخص الى أن جاء اليوم الذي اعترف لي فيه بهويته كاملة وبكونه اصيل نابل وانه معروف لدى اهالي الوطن القبلي اضافة الى ورود اسمه في عملية واد الليل الارهابية، وان زوجته تقبع بسببه سجن النساء بمنوبة، ولقد كانت هذه المرحلة مفصلية ومهمة وهي تدبير مسألة اللقاء به وجره للحديث عن تجربته خاصة ان لديه الكثير من التحفظات والنقد ضد تنظيم الدولة الاسلامية ووصوله الى قناعة متمثلة في كون داعش مجرد خدعة.
 من جهتي حاولت استغلال هذه النقطة اي معاداته لداعش واقناعه باجراء اللقاء قصد تنبيه غيره من الشباب في تونس والعالم العربي حتى لا يسلكوا نفس المسلك، ورغم كون هذا الشخص مازال يحمل بعض احلام الجهاد في سبيل الله ولم يتخل عن ايديولجيته بصفة نهائية، فانه وافق على اللقاء بعض فترة قصيرة من الوقت وهنا شعرت بمسؤولية اكبر لان اللقاء سيجرى خارح التراب التونسي وتحديدا في تركيا وفي كنف السرية ومن الطبيعي ان ينتابني نوع من الرهبة لان هناك دائما حدّ ادنى من الخشية خاصة أن الشخص كان ضمن عناصر اكبر التنظيمات الارهابية، عموما تخليت عن كل هواجسي وجازفت واقتطعت تذكرة في اتجاه تركيا للقائه وبطبيعة الحال كان لقائي به في كنف السرية وفي اماكن مختلفة من تركيا.
جرت العادة واثناء تقديم شهادات بمثل هذه الخطورة ان يمتنع الشاهد عن ذكر هويته الحقيقية خوفا مما قد يلحقه من ضرر، لكن هذا ما لم نلمسه من محمد الفاهم، الا ترى ان مجازفته كانت اخطر من مجازفة الذهاب اليه، وهو الهارب من داعش؟
لقد كان شرطي الأول لانجاز هذا الكتاب هو عدم الاعتماد على اسماء مستعارة حتى امنح لكتابي خاصيته ولاضفاء مزيد من المصداقية وما لمسته انذاك ان محمد الفاهم لم يتردد في الموافقة على شرطي .
لماذا؟
اعتقد ان محمد الفاهم شخصية خسرت كل شيء، وطنه ووالدته وعائلته وزوجته اضافة الى حلمه المتمثل في الجهاد في سبيل الله وهو ما يعني ان الامر استوى لديه ولم تعنه المخاطرة وهو المطارد من قبل السلطات الامنية التونسية ويعيش في سرية ببلد اجنبي، وهنا اشير الى انه تم مؤخرا الحكم بقرابة 36 سنة سجنا ضده، عموما محمد الفاهم قام بالعديد من المجازفات في حياته حيث سافر عبر الصحراء الليبية منها الى تركيا لينتقل فيما بعد الى الرقة، وكان هدفه تحقيق حلمه وهو القتال الى جانب الدولة الاسلامية ونظرا لكون هذا الحلم تحطم اثر اكتشافه زيف هذا التنظيم كانت هذه الشهادة آخر مجازفاته، وهنا اشير الى أن الصورة الموجودة على غلاف الكتاب هي صورة حقيقية لمحمد الفاهم الذي لم يكتف بالكشف عن هويته بل مدني بمجموعة من صوره .
لاحظنا انك تغافلت عن ذكر الاطار المكاني في كتابك، وكيفية اللقاء، فهل كان الامر مقصودا؟
حقيقة لقد كان الاتفاق الاولي مع محمد الفاهم هو عدم ذكر الاطار المكاني الذي التقينا فيه، لعدة اعتبارات اهمها هواجسه الامنية والاخطار التي قد تلاحقه صحبة مجموعة من الشباب الهارب من تنظيم الدولة وبالتالي كان شرطه هو عدم ذكر هذه التفاصيل وهو ما وافقت عليه، مع العلم وان محمد الفاهم كان مطلعا على تفاصيل الكتاب وفصوله، لكن فيما بعد واثر صدور الكتاب اقنعته بذكر تفاصيل اللقاء لأني كنت على يقين ان هذه الجزئية ستكون من ابرز الاسئلة التي ستوجه لي ولم يكن امامي من خيار اخر وهو ما اقتنع به اخيرا .
تغافلت ايضا في كتابك عن ذكر مصير محمد الفاهم، الا ترى انه من حق القارئ معرفة مصيره اثر رحلة الفرار من الرقة فماهي الاسباب التي دفعتك لتكون النهاية عبارة عن نقطة استفهام؟
لنفس الاسباب التي سبق وذكرتها وهي ان محمد الفاهم خير عدم ذكر تفاصيل حياته بعد خروجه من داعش لانه رأى انها غير مهمة، لكن ما افيدكم به هو انه وبعد خروجه من الاراضي الواقعة تحت سيطرة داعش، تم ايقافه من قبل فصائل المعارضة السورية حيث خضع للتحقيق ليتم اطلاق سراحه على الحدود التركية .
بصفة اوضح هل كان هدف الكتاب هو تبيان مدى بشاعة تنظيم داعش ام فهم اسباب ولادة محمد الفاهم الارهابي؟
كلاهما، فانا حاولت الاجابة عن سؤال محوري الا وهو كيف ولد داعش داخل محمد الفاهم، هذا الشاب الذي لم يولد داعشيا بل كان كغيره من الشباب يحب الراب والفتيات وحياته طبيعية قبل ان يعتنق هذا الفكر، ثانيا ادان الكتاب هذا التنظيم من خلال الحديث عن اقامة الحدود والرجم وسبي النساء والغزوات والإلقاء بمئات من الشباب في المحرقة . عموما لقد اعتمدت 3 محطات في الكتاب اولها تقديم قصة محمد الفاهم وثانيا قصة الشباب الذين تورطوا في هذا التنظيم واخيرا تقديم اكثر ما يمكن من معلومات حول هذا التنظيم .
اعتمدت في الكتاب طريقة «الفلاش باك» حيث انطلقت من رحلة فرار محمد الفاهم من الرقة لتعود في مرحلة متقدمة الى تفاصيل القصة، وهو ما عقد تسلسل الاحداث، فهل كان الامر متعمدا ؟
الامر يعود الى تكويني الادبي بالاساس وغرامي بالرواية رغم تخصصي فيما بعد في مجال الصحافة، وبالتالي انا استغللت التخصصين، حيث اعتمدت على الرواية اضافة الى ما نطلق عليه في عالم الصحافة بالهرم المقلوب اي الانطلاق من اهم حدث وهو بنظري الهروب من التنظيم، عموما انا تلاعبت بالزمان والضمائر في  «كنت في الرقة ـ هارب من الدولة الاسلامية»، واعتقد ان هذه نقطة قوة الكتاب .
اثناء حوارك مع محمد الفاهم، هل فهمت أنّه يطمح في العودة من جديد الى وطنه وهل يشعر بالندم؟
ما اؤكده انه ليست لهذا الشاب الرغبة في العودة الى تونس لعدة اسباب اهمها انه ملاحق قضائيا، وبخصوص ندمه اعتقد ان محمد الفاهم لم يندم على اعتناقه لفكرة اقامة دولة الخلافة، بل ندم لالتحاقه بتنظيم داعش التي لم تعد تمثل الخلافة على منهاج النبوة، من جهة اخرى وهذا رأي شخصي لو تمكن محمد الفاهم من اعادة الزمن الى الوراء لما كان غادر تونس، لقد التقيت شابا ضائعا رغم ما يتمتع به من فطنة وذكاء .
هل تعرضت الى تضييقات اثر صدور كتابك، وهل تلقيت اي اتصالات من جهات محلية او اجنبية لمعرفة المزيد من التفاصيل حول هذا اللقاء ؟
لا اطلاقا لم اتعرض الى اي تضييقات، فانا في النهاية مواطن تونسي يهمه امن هذه البلاد، وهذا الغرض من كتابي، كما اني لم اتلق اي اتصالات رغم ان عديد المسؤوليين في المؤسسة الامنية عبروا عن اعجابهم بفكرة الكتاب.
ماذا ترك الكتاب والشهادة في نفسية هادي يحمد؟
لقد اكدت لي قناعاتي السابقة وهي اننا مطالبون بفهم هذه الظاهرة من الداخل لمقاومتها، فهم كيف يفكر هؤلاء الشباب وما الذي دفعهم لاختيار هذه الطريق .
من جهة اخرى ورغم اني لا ابرر ما اقترفه محمد الفاهم من جرائم في حق شعبه والبشرية لكن لا بد من فهم الشخصية وظروفها، وهنا اؤكد اني لم اتعاطف معه لكن هنالك جانب انساني يجب الاعتماد عليه احيانا .
من ساهم برأيك بصنع الارهابي محمد الفاهم؟
محمد الفاهم هو صنيعة ثقافة مجتمع، ومرجعيات دينية وثقافية واجتماعية وسياسية، هو بضاعتنا التي ردت الينا فهو لم يأت من المريخ بل هناك عديد الحوافز التي غذت فيه هذا التطرف والغلو .
لكل شاب يفكر في الالتحاق بداعش، ماذا تقول له؟
اقول له ان هذه الطريق مسدودة وهي نفق طويل نهايته الموت.

حاورته : سناء الماجري